الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن قتيبة: سورة الصافات مكية كلها.قال ابن مسعود: الصَّافَّاتِ صَفًّا، فَالزَّاجِراتِ زَجْرًا، فَالتَّالِياتِ ذِكْرًا- هم الملائكة.{لا يَسَّمَّعُونَ} أي لا يتسمعون. فأدغمت التاء في السين، إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى: ملائكة اللّه.{دُحُورًا} يعني طردا. يقال: دحرته دحرا ودحورا، أي دفعته.وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ أي دائم.{فَأَتْبَعَهُ} أي لحقه شِهابٌ ثاقِبٌ: كوكب مضيء بين.يقال: أثقب نارك، أي أضئها. والثقوب: ما تذكي به النار.{فَاسْتَفْتِهِمْ} أي سلهم.{مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي لاصق لازم. والباء تبدل من الميم لقرب مخرجيهما.{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} قال قتادة، بل عجبت من وحي اللّه وكتابه، وهم يسخرون بما جئت به.{وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} أي يسخرون. يقال: سخر واستسخر، كما يقال: قر واستقر. ومثله: عجب واستعجب. قال أوس بن حجر:ويجوز أن يكون: يسألون غيرهم- من المشركين- أن يسخروا من النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلّم. كما تقول: استعتبته: سألته العتبي.واستوهبته: سألته الهبة. واستعفيته سألته العفو.{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ} أي أشكالهم. تقول العرب: زوجت إبلي، إذا قرنت واحدا بآخر.ويقال: قرناؤهم من الشياطين.{كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ} أي تخدعوننا وتفتنوننا عن طاعة اللّه. وقد بينت هذا في كتاب المشكل.{لا فِيها غَوْلٌ} أي لا تغتال عقولهم، فتذهب بها. يقال: الخمر غول للحلم، والحرب غول للنفوس. وغالني غولا. والغول البعد. {وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ} أي لا تذهب خمرهم وتنقطع، ولا تذهب عقولهم. يقال: نزف الرجل، إذا ذهب عقله، وإذا نفد شرابه.وتقرأ: {يُنْزَفُونَ} من أنزف الرجل: إذا حان منه النزف، أو وقع النزف. كما يقال: أقطف الكرم، إذا حان قطافه، وأحصد الزرع إذا حان حصاده.{قاصِراتُ الطَّرْفِ} أي قصرن أبصارهن على الأزواج ولم يطمعن إلى غيرهم، وأصل القصر: الحبس. عِينٌ نجل العيون، أي واسعاتها. جمع عيناء.{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} العرب تشبه النساء ببيض النعام. قال امرؤ القيس: و{المكنون} المصون. يقال: كننت الشيء، إذا صنته، وأكننته أخفيته.{إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ} أي صاحب.{أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} أي مجزيون بأعمالنا. يقال: دنته بما صنع، أي جزيته.{سَواءِ الْجَحِيمِ} وسطها.{إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} أي لتهلكني. يقال: أرديت فلانا، أي أهلكته. والردي: الموت والهلاك.{لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أي من المحضرين في النار.{أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا} أي رزقا. ومنه إقامة الأنزال.وإنزال الجنود. أرزاقها.{إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} أي عذابا.{طَلْعُها} أي حملها. سمي طلعا لطلوعه في كل سنة.{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} أي خلطا من الماء الحار يشربونه عليها.{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ} أي: وجدوهم كذلك.{فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ} أي يسرعون والإهراع:الإسراع وفيه شبية بالرّعدة.{وَتَرَكْنا عَلَيْهِ} أي أبقينا عليه ذكرا حسنا فِي الْآخِرِينَ أي في الباقين من الأمم.{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} فَقالَ: إِنِّي سَقِيمٌ مفسر في كتاب تأويل المشكل.{فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا} أي مال عليهم يضربهم بِالْيَمِينِ والرواغ منه.{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي: يسرعون إليه في المشي. يقال: زفت النعامة.{فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} أي في النار. و{الجحيم} الجمر. قال عاصم بن ثابت:وضالة مثل الجحيم الموقد أراد: سهاما مثل الجمر. ويقال: رأيت جحمة النار أي تلهبها، وللنار جاحم أي توقد وتلهب.{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي بلغ أن ينصرف معه ويعينه، قالَ: يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ أي سأذبحك.ولم يرد- فيما يرى أهل النظر- أنه ذبحه في المنام. ولكنه امر في المنام بذبحه فقال: إني أرى في المنام أني سأذبحك.ومثل هذا: رجل رأى في المنام انه يؤذن- والأذان دليل الحج- فقال:إني رأيت في المنام أني أحج، أي سأحج.وقوله: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ. دليل على أنه امر بذلك في المنام.{فَلَمَّا أَسْلَما} أي استسلما لأمر اللّه. وسلما مثله {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي صرعه على جبينه، فصار أحد جبينيه على الأرض. وهما جبينان والجبهة بينهما. وهي: ما أصاب الأرض في السجود.{وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا أي حققت الرؤيا أي صدقت الأمر في الرؤيا وعملت به.{إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} أي الاختبار العظيم.{وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي بكبش. والذبح: اسم ما ذبح.والذبح بنصب الذال: مصدر ذبحت.{أَتَدْعُونَ بَعْلًا} أي ربا. يقال: أنا بعل هذه الناقة، أي ربها. وبعل الدار، أي مالكها.ويقال: بعل صنم كان لهم.{إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي السفينة المملوءة.{فَساهَمَ} أي فقارع، فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أي من المقروعين. يقال: أدحض اللّه حجته فدحضت، أي أزالها فزالت. وأصل الدحض: الزلق.وقال ابن عيينة: {فَساهَمَ} أي قامر. فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أي المقمورين.{وَهُوَ مُلِيمٌ} أي مذنب. يقال: ألام الرجل، إذا أذنب ذنبا يلام عليه.{فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} يقال: من المصلين.{فَنَبَذْناهُ ألقيناه بِالْعَراءِ} وهي: الأرض التي لا يتواري فيها بشجر ولا غيره. وكأنه من عرى الشيء.واليقطين: الشجر الذي لا يقوم على ساق. مثل القرع والحنظل والبطيخ. وهو: يفعيل.{وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} أي ويزيدون. و أو معنى الواو. على ما بينت في تأويل المشكل.{فَاسْتَفْتِهِمْ} أي سلهم.{أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ} أي حجة بينة.{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} يقول: جعلوا الملائكة بنات اللّه، وجعلوهم من الجن.{وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ} يريد: الذين جعلوهم بنات اللّه، لَمُحْضَرُونَ النار. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ.{ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ} أي بمضلين.{إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ} أي من قضي عليه أن يصلي الجحيم.{وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} هذا قول الملائكة.{وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} أي المصلون.{وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ} يعني: أهل مكة.{فَكَفَرُوا بِهِ} بمحمد صلى اللّه عليه وعلى آله. أي كذبوا بأنه مبعوث. اهـ. .قال الغزنوي: ومن سورة الصافات:{وَالصافات} الملائكة، لأنها صفوف في السّماء، أو تصفّ أجنحتها حتى يؤمروا بما خلقوا لها.{فَالزَّاجِراتِ زَجْرًا} أي: زجرا تدركه القلوب كما تدرك وسوسة الشّيطان.{فَالتَّالِياتِ ذِكْرًا} تلاوة كتاب اللّه على أنبيائه. أو ذِكْرًا تسبيحه وتقديسه، وهذه جمع الجمع، لأنّ الملائكة ذكور فجمعهم صافّة ثم صافات.{بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ} الزينة اسم، أي: بزينة من الكواكب.{وَحِفْظًا} حفظناها حفظا.{مارِدٍ} خارج إلى أعظم الفساد.{دُحُورًا} قذفا في النار، وقيل: دفعا بعنف.{واصِبٌ} دائم.{إِلَّا مَنْ خَطِفَ} استلب السّمع واسترق.{شِهابٌ ثاقِبٌ} شعلة من النار يثقب ضوؤها.{أَمْ مَنْ خَلَقْنا} من السماء والأرض، أو من الملائكة، أو من الأمم الذين أهلكوا.{لازِبٍ} لاصق، لازق، لازم: ألفاظ أربعة متقاربة.{يَسْتَسْخِرُونَ} يستدعون السّخرية، أو ينسبون الآيات إلى السّخرية كقولك استحسنته: وصفته به.{داخِرُونَ} أذلّاء صاغرون.{يَوْمُ الْفَصْلِ} يوم يفصل بينكم بالجزاء.{وَأَزْواجَهُمْ} أشباههم، يحشر الزاني مع الزاني.{فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ} دلّوهم وحسنت الهداية فيه لأنّها أوقعت موقع الهداية إلى الجنّة، وهو كقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} أي: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله ممّ اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه فيما عمل به.{يَتَساءَلُونَ} يقول هذا لذاك: لم غرّرتني؟ وذلك يقول: لم قبلت مني؟.{تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ} تقهروننا بالقوة، أو اليمين مثل الدّين، أي: تأتوننا من قبله فتصدّوننا عنه.{رِزْقٌ مَعْلُومٌ} لأنّ النّفس إلى المعلوم أسكن.{بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} سمّيت الخمر ب المعين إمّا من ظهورها للعين، أو لامتداد العين بها لبعد اطّرادها، أو لشدّة جريها، من الإمعان في السّير، أو لكثرتها، من المعن وهو الكثير، والماعون لكثرة الانتفاع به.ويقال شرب ممعون لا يكاد ينقطع.{بَيْضاءَ} مشرقة منيرة فكأنّها بيضاء.{لا فِيها غَوْلٌ} أذى وغائلة، أو لا تغتال عقولهم.{ولا يُنْزِفُونَ} لا يسكرون لئلا يقل حظهم من النّعيم، أو لا ينفد شرابهم، من باب أقل وأعسر.{قاصِراتُ الطَّرْفِ} يقصرن طرفهن على أزواجهن.{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ} في نقائها واستوائها.{مَكْنُونٌ} مصون، أو الذي يكنّه ريش النّعام.{مدينون} مجزيّون.{سَواءِ الْجَحِيمِ} وسطها، لاستواء المسافة منه إلى الجوانب.{أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} يقوله المؤمن سرورا بنعمة اللّه، أو توبيخا لقرينه بما كان ينكره.{شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} أخبث شجر، وتزقّم الطعام: تناوله على كره.{طَلْعُها} ما يطلع منها، وقبح صورة الشّيطان متقرّر فجرى الشبيه عليه وإن لم ير.{مِنْ حَمِيمٍ} ماء حار.{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} النار الموقدة، وذلك يدل أنهم في تطعّمهم الزقوم بمعزل عنها، كما قال: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ.{وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ} النّاس كلّهم من ذريّته، فالعرب والعجم أولاد سام، والسّودان أولاد حام، والتّرك والصقالبة أولاد يافث.{وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} أبقينا له الثناء الحسن.{بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} سالم من الشّك والرياء.{فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ} أنّه ماذا يصنع بكم حين خلقكم ورزقكم وعبدتم غيره؟.{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} للاستدلال بها على الصّانع، أو ليس هو نجوم السّماء، بل ما نجم في قلبه من الأصنام، وقصد إهلاكها.وقيل: كان علم النّجوم حقا ومن النّبوة، ثم نسخ. بل النّسخ في الأحكام وما كان من علم النّجوم ثابتا من تصريف اللّه على أمور في العالم، فذلك ثابت أبدا وما ليس بثابت اليوم من فعلها في العالم من تلقاء أنفسها فلم يكن قطّ إلّا أن يقال: الاشتغال بمعرفتها نسخ، فيكون صحيحا.{فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ} استدل بها على سقم في بدنه، أو خلقت للموت فأنا سقيم أبدا.{فَراغَ عَلَيْهِمْ} مال، ضَرْبًا بِالْيَمِينِ: بالقوة، أو باليمين الذي هي خلاف الشّمال، أو بالحلف التي تألّى بها، فمن قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ}.
|